أوهام الفيس بوك
بقلم : ا. د حسن حماد
عميد كلية الآداب الأسبق بجامعة الزقازيق
أثار " مقالي " السابق حول الفيس بوك وثقافة الفرجة العديد من تساؤلات الأصدقاء منها : لماذا لا نعتبر الفيس بوك فضاء إنسانيا للبوح ولتفريغ الشحنات الانفعالية المكبوتة ومجالا للتعبير الحر عما يجيش بأعماق الإنسان ؟
أو لماذا نستكثر علي هؤلاء البشر التعساء أن يصرخوا ويعلنوا عن أنفسهم ؟؟ وقدعبر عالم الاجتماع المصري "سيد عويس" عن هذا المعني في كتابه "هتاف الصامتين "والذي كان رصدا للكتابات التي يكتبها المهمشون علي جدران بيوتهم أو علي ظهور سياراتهم .
لماذا لا نعتبر منشورات الناس علي الفيس نوعا من هذا الهتاف والصراخ المكتوم والمبحوح ؟ لماذا لا يكون الفيس ملاذا لكل هؤلاء ممن لم يجدوا احدا ليسمعهم او ليحنوا عليهم فخلقوا لأنفسهم هذا الهامش الذي من خلاله يعرضون لصورهم ومآسيهم وأفراحهم وأتراحهم ؟؟ .....الخ .
كل هذا جميل ومقنع لكن هل يستطيع الفيس أن يخفف حقا
من آلام البشر أم أنه مسكن يشبه قرص الأسبرين الذي يخفف
العرض ومع ذلك يبقي المرض ؟ هل يستطيع الفيس أن يجعل البشر سعداء وهم تعساء بما فيه الكفاية ؟ !
يبدو أننا أجبنا علي الأسئلة بالمزيد من الأسئلة.... على أية حال أنا مع أي وسيلة يمكن أن تخفف من آلام البشر حتي لو كانت وهما خاصة إذا تذكرنا أن الأوهام هي أكثر الأشياء التي
نظنها حقائق .
لكن ما كنت أعنيه وأقصده في البوست السابق هو أننا ينبغي أن نحتفظ لأنفسنا بشئ من الخصوصية التي تبقي غير مدنسة بالفضول الرخيص للآخرين ولا يجب أن نحول حياتنا الخاصة إلي فضيحة مدوية تشبه راقصة الإستربتيز التي تتجرد من ملابسها قطعة قطعة حتي تكشف عن عريها التام الذي معه يسقط شبق الرغبة وبريق الشهوة .
أنا ضد أن يتنازل الإنسان عن خصوصيته ليصبح نهبا وملكا مباحا ومكشوفا للآخرين , أنا ضد أن يتحول الإنسان إلي شئ .. أن يعرض نفسه أو ذويه وهم علي فراش المرض أو الموت أو وهم في غرف العمليات وكأنه يستدر
عطف الآخرين .
انا ضدهؤلاء ممن يعرضون أنفسهم بجوار سياراتهم الفارهة أو داخل ملابسهم الجديدة أو فوق موائدهم الحافلة بالأطعمة .
وأنا ضد هؤلاء ممن أصابتهم أمراض العقلية السحرية فيستحلفك أن تفتح رسالته وتقرأها
وترسلها إلي أصدقائك حتي تحل بك البركة ويعود إليك الغائب وتأتي إليك الأموال والخيرات من كل فج عميق!!!!
انا شخصيا سئمت من الرسائل التي تأتيني على الخاص لأنها
غالبا من هذه النوعية ولذلك نادرا ما أقراها وتقريبا لم أعد أفتح الواتس آب لهذا السبب ولكثرة مايأتيني من رسائل تصيبني بالغثيان.
وسأعترف لكم أصدقائي بهذا القرف الذي أصابني
من معظم مناسبات ومشاهد وصور مناقشة الرسائل
العلمية ، وبرغم أن لدي في هذا الأسبوع رسالتين أحداهما مع استاذ أحترمه وأقدر تاريخه النضالي والفكري هو الدكتور
" مراد وهبه " ومع ذلك قررت أن لا أكتب أو أنوه
عنها لأني سئمت من هذه الطقوس العلمية المكررة فمعظم الرسائل معادة ومملة وتافهة والباحثون أكثر تفاهة وضحالة وصورنا ونحن نرتدي أرواب المناقشات تذكرني بكهنة المعابد القديمة فنتصور ونحن واهمون أننا ملاك الحقيقة المطلقة وأنا كثيرا ما تنتابني هذه الحالة من النرجسية الكهنوتية المريضة لكن سرعان ما أتخلص منها بسرعة ويعود لي إحساسي المر بالحقيقة المضحكة وهي أن
مكافأتي التي قررتها الدولة المصرية نظير ممارستي لدور
هذا الكاهن العلمي غير المقدس هي 70 جنيها ... فقط سبعون
جنيها مصريا لاغير بما يوازي ثلاثة دولارات
ونصف!!!!!!!!!!!!!!
قمة العبث والوهم والابتذال .
ومع ذلك أدعوكم أصدقائي أن
تصورا أنفسكم سيلفي وموضوعى وأنتم مبتسمون ولتهنئوا بالحياة في أحضان عالم الفيس بوك الحنون الدافئ.
تعليقات
إرسال تعليق