حصان الولد.. قصة قصيرة بقلم الأديبة: وفاء العمدة



عندما أسلمه الشارع الرئيسي لحارتنا  الضيقة ملأ الدنيا بزعقته الصباحية التي يطلقها كل يوم منذ أن وعينا على هذه الدنيا ..وكأنها لعنة كتبت علينا

...كنا قد انتابنا بعض القلق لتأخره عن موعده المعتاد أو هكذا خيل الينا ..لقد اعددنا كل شي بشكل متقن منذ ليلة البارحة ...هذه فرصتنا الوحيدة

  كنا قد قررنا ان نجتمع نحن وبعض بنات الحى...واتفقنا وتعددت اجتماعاتنا.. واصبح لدينا العديد من الخطط  التي نتدارسها  في بيتنا , وأمي الطيبة.. دائمة السخرية منا ومن مهمتنا المبهمة التي لا تعلم عنها شيئا ...

اتشاغل عنها بشكلي الجديد الذى يثير فيها الدهشة والعجب ..بإصرار بالغ مني فككت ضفائري المشدودة دائما بشكل مؤلم ..يكاد شعرى ان ينخلع من رأسي ..وأمي لا تستجيب لتوجعي والمى ولا تنخلع فكرة هذه الضفائر اللعينة  من رأسها ... فتراني امسح عرقي الغزير بكم جلبابي ..اربط بقوة منديلي المبلل بالماء على رأسي حتى يقيني ضربة شمس محتملة في هذا النهار الملتهب

ظللنا اياما وساعات ونحن نصعد ونهبط  حاملين ادوات غريبة لتنفيذ ما خططنا له ....بتنا ليلتنا مؤرقين في خوف من عدم نجاح الخطة ..

في الصباح وقبل ان يأتي 

 اختارت احداهن جلستها فوق صندوق قديم تراقب بحذر وليمة الانتقام

وكلا منا اختارت مكمنها ...فى بئر السلم

* كنا نصحو على زعقته فنتسلل لننظر اليه من خلف الشيش نجده كما هو بوجهه الصارم العابس ونظراته المليئة بالكراهية "هكذا ظننا آنذاك" ، حاملا نفس العصا الطويلة الغليظة بها الكثير من الخروم العميقة محملة بعيدان من الخشب رفيعة جدا في اخرها قطعة من الحلوى المصنوعة من العسل والسكر والدقيق  ويغطى كل ذلك قطعة من القماش الابيض الناصع البياض يظل ينادى بصوته الجهوري القبيح 

"حلاوة ابو اسماعين مكتوبة في الجرانين ، تكبر الصغيرين ، وتنجح الفاشلين ، حصان للولد ..عروسة للولد، بندقية للولد، عفريت للبنت ، حنش للبنت ، عقرب للبنت " نخرج اليه تلاحقه شتائمنا الغاضبة  ، نزدرد ريقنا بصعوبة ونحن نشتهى قطع الحلوى اللذيذة  ، ونرفض أن نشتريها منه ، وكنا دائما نتفوق على زملائنا الصبية ، وبدون أن نأكل حلاوة ابو اسماعيل ،

الصبيه يتحلقون حوله يلتهمون قطع الحلوى يلوكونها ببطء وهم يضحكون ويتندرون ويرددون كلماته القبيحة

نشعر بأحداقنا موشكة  على القفز وكأنها كرات من النار معلنه الحنق والغيظ منه ، وتمتد الشعلة فى اجسادنا الصغيرة تحرقنا ، لن تنطفئ او تهدأ إلا اذا انتقمنا منه .

علت دقات قلوبنا الصغيرة بعنف عندما زعق زعقته الصباحية المعتادة ..انتظرنا فى مكمننا .. ثوان مرت كأنها دهر كئيب ..

فجأة ..دوت في ارجاء الحارة صرخته ، فزعنا وخرجنا نترقب فى حذر بالغ ،لنرى ماذا حدث له 

كانت حلواه منثورة على الارض ،غارقة في تراب الحارة الناعم 

 نظراته زائغة ، قسماته مليئة بالألم والتوجع ...يزوم ...يغمغم ..صدره يعلو ويهبط من شدة الانفعال... هبت عليه ريح قوية محملة بالتراب والرمال على شكل زوبعة دائرية ، وكأنها اتت قاصدة اياه لتكتم ما تبقى من أنفاسه ، اخذ في العطس الشديد فاتحا فاه ليلتقط بعض الهواء النقي

اقتربنا منه علي اطراف اصابعنا ، كانت  قدمه محشورة في الحفرة التي أعددناها له على مر أيام وليال بعناية شديدة ،مد يده الينا مستنجدا بنا ..انتاب الجميع الزعر. فررن ، اقتربت بحذر شديد منه ، وكل أطرافي ترتعد ،بصرت به ، تمعنت بوجهه وعينيه لأول مرة ، انتابني الشعور بالخجل من نفسي واشفقت عليه لعجزه وكبر سنه البادي على قسماته .وارتعشت نبضاتي بقوة  ، غص قلبي  بدموعي ..وامتزجت بدموعه المنهمرة  .

وفاء العمدة

تعليقات

إرسال تعليق